تعتبر المراسلات الإدارية بجميع أنواعها ومستوياتها الإدارية وسيلة من وسائل الاتصال ونقل المعلومات، ومن المعلوم أن الاتصالات المكتوبة هي شريان حياة الإدارة وكل منظمة، لأنها تعنى بتجميع وتوفير كافة المعلومات والبيانات اللازمة لاستمرار العملية الإدارية.
وتحرير المراسلات الإدارية يتميز بخصائص محددة لكونها مراسلات رسمية منبثقة عن الدولة، فإذا كنا كأشخاص نكتب ما يبدو في فكرنا وخيالنا ومشاعرنا كما نشاء، فإننا عندما نكتب كموظفين لم نبق سيد أنفسنا في الكتابة نظرا للالتزامات الوظيفية التي تفرض علينا احترامها واحترام الجوانب القانونية والفقهية وتقنيات وخصائص الكتابة الإدارية.
وعليه فان المراسلات الإدارية تستحق الاهتمام بالقواعد السليمة لكتابتها من الناحية الشكلية واللغوية والموضوعية. حيث أن تحرير مثل هاته المراسلات يعطي بيانات نهائية وقرارات حاسمة فهي سجل للتاريخ قد يرجع الباحثون إليها وتمثل نشاطات الإدارة خلال فترة عملها.
للإجابة على هذا التساؤل سنركز في هذا الموضوع على معايير تحرير المراسلات الإدارية على الشكل التالي:
أولا:المعيار الموضوعي.
ثانيا: المعيار اللغوي.
ثالثا: المعيار الشكلي.
أولا: المعيار الموضوعي:
إن التحرير يقصد به التعبير عن فكرة معينة بالكتابة، ومن المعلوم أن التحرير الإداري على جميع مستويات الإدارات يعتمد على مصطلحات ولغة معينة تفرضها نوعية الأعمال التي يباشرها الموظف والتي تكون أسس التواصل بين العاملين والتي كثيرا لا يفهمها إلا من هو مستأنس بسماعها، وهكذا يقال إن لكل هيئة إدارية لغتها الإدارية، فلغة القضاء تختلف أساسا عن لغة المهندس أو الطبيب وغيرهم.
والكتابة الناجحة هي تلك التي تحترم قواعد النحو والصرف وتجتنب الأخطاء الإملائية، مع احترام علامات الترقيم والتنقيط والوقف، وهي علامات خاصة وضرورية للفصل بين أجزاء المادة المكتوبة لتمييز بعضها عن بعض، وتمكن القارئ من أن يفهم ما يقرأ بسهولة ويسر.
ولا شك أن المعارف الإدارية والمالية والقانونية على أوسع نطاق وللفقه وأراء الشراح والفقهاء تلعب دورا مهما عند الكتابة في موضوع من الموضوعات التي تعالج في مجال الأعمال المكتبية. ولا ننسى كذلك أن معرفة الأسس الإدارية للتنظيم والتسيير والاختصاصات وطبيعة العلاقات القانونية بين الدولة والأشخاص ووسائل الإدارة في أدائها لواجباتها ومعرفة المستجدات تعتبر من القواعد الأساسية في التحرير.
من اللازم أن المكتوب الإداري يسعى إلى استعمال أسلوب تكون فيه الجمل مترابطة واضحة في كل كلمة من كلماتها ومتكاملة المعنى صادقة عند مخاطبتها للقارئ. فطبيعة الإدارة وطبيعة مهمتها جعلتها تستعمل أسلوبا يتميز بالخصائص التالية:
1--- التسلسل الإداري:
عندما يكاتب الرئيس رئيسه فان أسلوب التحرير يتغير وتطغى عليه روح السلطة مثلا "أطلب منكم الالتزام بأوقات العمل" أو "يشرفني أن اطلب منكم حضور الاجتماع".
وعندما يكاتب المرؤوس رئيسه فان أسلوب التحرير يتغير وتطغى عليه صفة الطاعة فيقول مثلا: "يشرفني أن أقدم لكم تقريرا عن نتائج المهمة التي كلفتموني بها" أو "أتشرف بإحاطتكم علما...". وعندما يتكاتب موظفان من نفس المستوى يستعملان صيغا تفيد المساواة والمعاملة بالمثل من مثل " يشرفني أن أخبركم أن الموضوع المشار إليه أعلاه لا يثير أية ملاحظة من ..." أو "يشرفني أن أحيطكم علما..."
2--- صيغة التحرير:
تحرر المراسلات الإدارية بصيغة المفرد المتكلم على شكل "يشرفني" أو "يسرني" أو "تلقيت" ويتم مخاطبة الآخرين بصيغة الجمع كيفما كان المخاطب مثل "يشرفني أن أخبركم" ... وهذا على عكس الأسلوب الجاري به العمل في الميدان التجاري الحر الذي يستعمل صيغة الجمع في أسلوب التحرير مثل: "يشرفنا" أو "يسرنا" أو "تلقينا".
3--- الوضوح:
السهولة والبساطة تساعد على الوضوح والفهم، فلا يقاس مضموم المراسلات بعدد صفحاتها أو بعدد اسطرها، وإنما يقاس باختصارها ووضوح معانيها وبالسهولة والبساطة، فالكتابة الناجحة هي تلك الكتابة التي يبتعد صاحبها عن استعمال الألفاظ الغريبة التي لا يفهمها إلا الخاصة، وإنما الألفاظ التي يفهمها الخاصة والعامة في لغة سليمة وسلسة وسهلة... ويخطئ من يظن أن استعمال الكلمات النادرة يدل على سعة في الأفق وقدرة على الكتابة، ولا ننكر أن ثروة الكاتب اللغوية تمكنه من اختيار الكلمات المناسبة في المكان المناسب بشرط أن تكون ألفاظها مفهومة لدى اكبر عدد ممكن من القراء.
4--- الموضوعية:
الموقع على المراسلات الإدارية يلزم نفسه ويلزم الإدارة ومن الضروري أن يستعمل بعض التعابير التي ترمز إلى التحفظ مما يقتضي على المحرر عند كتابة الوثائق الإدارية على جميع أنواعها أن يستعمل أسلوبا لا يلزمه بأي شيء ولاسيما في الحالات التي قد يسودها شك أو عدم التأكد من حقيقتها وعدم الحصول على الحجج الدامغة. وهكذا يمكن استعمال مثل الصيغ التالية: "أرى من جهتي بعد اطلاعي على مكونات الملف انه من الأفضل مراجعة هذا الموقف" أو " في الظروف الراهنة يظهر لي انه من الأفضل أن لا تتخذ موقفا صارما" أو "يجب التقيد بمقتضيات القانون رقم.... الذي يقضي ب ... ويجب على الإدارة أن تولي هذا الموضوع العناية الكاملة".
5--- روح المسؤولية:
لا بد من التحري قبل توجيه التهمة حيث أن الموقع يتحمل المسؤولية ويحمل الإدارة المسؤولية، وعليه أن يتخذ جميع الاحتياطات اللازمة وعليه أن يجتنب كتابة مثلا: "بلغني أنكم غير قادرين على متابعة أشغال..." أو " حسب الإشاعات التي بلغتني أنكم متهمين" بل تستعمل الصيغ التالية: "بعد مطالعة التقرير الذي أنجزه السيد المفتش العام يظهر بوضوح أنكم غير قادرين على..." أو "يظهر من المحضر الذي قامت به الشرطة أنكم متهمين".
6--- المجاملة:
لربط علاقات قوية مع الأجهزة والعملاء الذين يتعامل معهم، ومن الضروري في المراسلات الإدارية مخاطبة الناس بلطف واحترام والبعد عن التعابير المزعجة أو المحتقرة أو التي فيها عنف. فالأسلوب الإداري كله تعابير تتجلى من خلالها المجاملة.
حيث إن التحرير الإداري يفرض الصدق عند الكتابة وإظهار الاهتمام والعناية بمصالح الآخرين وعدم التعالي ويتم هذا باستعمال أسماء الأشخاص والضمائر الدالة عليهم بعيدا عن التكبر في اللهجة. ومن المفروض أن يتبع المحرر الأسلوب الذي يناسب الجهاز الإداري الذي يتكلم باسمه ويحافظ في نفس الوقت على العلاقات الطيبة مع القارئ. فعلى المحرر إذن أن يجتنب التعابير التي يطغى عليها الطابع التعسفي أو الانفعالي فلا يقول مثلا: "إذا لو تستأنفوا سأطردكم من منصبكم" بل يقول: " إذا لم تستأنفوا عملكم بعد تاريخ... سأكون ملزما باتخاذ في حقكم الإجراءات التي يسمح بها القانون".
أما عند المطالبة بحق واضح ناتج عن القانون فلا نقول مثلا: " سأكون لكم ممتنا إذا وافقتم على تسجيل اسمي بين المشاركين في المباراة..." بل نقول: " يشرفني أن اطلب منكم تسجيل اسمي في لائحة المشاركين".
7--- الدقة:
تستوجب الوضوح والصدق، وعليه تتعين الابتعاد عن التعابير التي يطغى عليها الطابع العاطفي والشخصي والابتعاد عن استعمال اللفظ الغريب فاستعمال الكلمات نادرة الاستعمال لا ضرورة لها.
8--- الاختصار:
يساعد على الوضوح وعدم التكرار، ويجب آن تكون المراسلة مختصرة وسهلة وقوية وصادقة فلا يقاس طول المكتوب الإداري بعدد اسطره آو عدد صفحاته بل أن حجم المكتوب يتجلى فيما يحتاجه الموضوع من المعلومات والشرح الذي يساعد على فهم الموضوع بلا زائدة ويساعد في اختصار المكتوب مع وضوح المعنى وعدم التكرار.
9--- القوة في الأسلوب:
يستوجب استعمال الكلمات الحية وقوية الحزم، ويتعين الابتعاد عن استعمال كلمات لا علاقة لها بالموضوع مما يفقد المراسلة قوتها ووضوحها فمثلا عندما نستعمل مثل هذه الكلمات: "على ما يبدو..." أو "في الحالة الطبيعية..." أو "عادة ما يكون..." حيث أن مثل هذه التعابير تفقد المراسلة قوتها وتشير إلى عدم معرفة المحرر للموضوع الذي يتناوله. وعليه فالتحرير الإداري يتطلب المعرفة الكاملة للموضوع الذي يعالجه المحرر في مجال الأعمال التي هو مكلف بها.
ثانيا: المعيار اللغوي:
إن اللغة هي الوسيلة الوحيدة للكتابة والتعبير عن الأفكار والمعلومات، فيجب استخدامها استخداما سليما وفق قواعدها وأصولها المضبوطة. ويجب على كاتب المراسلات الإدارية تجنب الأخطاء النحوية والأخطاء الإملائية.
فالمهارة اللغوية مطلوبة عند تحرير المكتوب الإداري، والأسلوب الذي يتم استخدامه في الأجهزة الحكومية يختلف عن الأسلوب الذي يتم استخدامه بين الأدباء والشعراء، وحتى في المنشات التجارية، فمهما كان هذا الأسلوب خاصا أو مختلفا عن غيره فانه لا يبتعد في تكوينه وقواعده على معرفة أساليب الكلام وسلامة التركيب واحترام قواعد النحو والصرف.
فكلما كان معجم الكاتب في اللغة واسعا كلما ساعده ذلك في اختيار الكلمات المناسبة واللفظ المناسب في الوقت المناسب، ولعل معرفة اللغة وقواعدها ومعرفة طريقة تحرير المراسلات بكافة صورها وأنواعها يكسب الكاتب قوة في التبليغ والتحليل والإقناع.
إن معرفة القواعد النحوية وقواعد الإملاء أمر ضروري وأساسي في التحرير حيث أن إهمالها جملة وتفصيلا ينتج عنه الغموض وسوء الفهم، فمن يجهل هذه القواعد لا يجيد الكتابة ويؤثر ذلك على صحة وسلامة التركيب.
ولا بد من مراعاة علامة الترقيم من النقطة والفاصلة والفاصلة المنقوطة والشرطة وعلامة التوضيح وعلامة التنصيص والقوسان، وهذه العلامات أصلا توضع لتسهيل فهم النص المحرر وإدراك معناه.
ويتعين الأخذ بعين الاعتبار أن التحرير الإداري لا يستعمل أبدا لا علامة الاستفهام ولا علامة التعجب ولا علامة الحذف، وذلك لان الإدارة في مراسلاتها لا تتأثر ولا تتعجب ولا تستغرب ولا تطرح أسئلة، فالإدارة في حقيقة الأمر لا تسال وإنما تجيب فتكتب مثلا "في رسالتكم المشار إليها في المرجع طرحتم سؤالا حول ... ويشرفني أن أخبركم أن القانون...".
إن ممارسة عملية التحرير الإداري يتطلب إلى جانب المقومات التي سبقت الإشارة إليها من قواعد الصرف والنحو والإملاء وغيره من المقومات الأخرى يتطلب المعرفة الإدارية والإلمام بمبادئ علم الإدارة العامة وقواعدها وتنظيماتها والقوانين التي تنظمها والتي تسهر على تطبيقها وتخضع لها ومنها حتى التي وضعت منذ عهد بعيد ومازالت مطبقة حتى الآن.
ومما لا شك فيه أن احترام قواعد التحرير الإداري هو شرط للتحرير الجيد، وذلك بالاعتناء بالشكل والمضمون والأخذ بعين الاعتبار جميع القواعد المرتبطة بالتحرير الإداري وخاصة ما يتعلق ب:
--- صيغ النداء:
السيد أو السيدة أو الآنسة...
السيد المدير العام أو السيد السفير أو السيد الوزير...
السيد رئيس المجلس البلدي أو السيد رئيس المجلس الإقليمي...
--- صيغ البدء:
يشرفني أن انهي إلى علمكم...
يشرفني أن أثير انتباهكم...
جوابا على رسالتكم ... يشرفني أن...
بناء على ما ورد في رسالتكم...
--- صيغ العرض والمناقشة:
أطلب منكم... الفت انتباهكم... لا يخفى عليكم... أشير... أنبهكم... ألاحظ... أذكركم... أثير انتباهكم... يبدو من الأفضل... يبدو من الملائم... أدعوكم... أولي اهتماما... لا شك في...
--- الصيغ الرامية إلى استدراك بعض الأدلة:
بما أن... نظرا ل... بناء على... استنادا إلى... علاوة على... زيادة على... بالمقابل... بخلاف... بعكس... من جهة... ومن جهة أخرى... بصفة رئيسية... بصفة عامة... من ناحية... ومن ناحية أخرى... في الأخير... في النهاية...
--- تحية الافتتاح:
"سلام تام بوجود مولانا الإمام"
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تحية طيبة
--- تحية اختتام:
وتقبلوا شكري وتحياتي
وتقبلوا تحياتي الخالصة
ونشكركم على جميل...
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الخ...
--- صيغ الاختتام:
اطلب منكم استخدام كل الوسائل والإمكانات المتوفرة لديكم...
أرجو أن تتصرفوا بحكم الصلاحية المخولة لكم قانونا...
بالإضافة إلى ما ذكر أنبهكم بان... ولا اقبل عذرا.
لذا اطلب منكم أن تحثوهم على التتبث في أحكامهم بما يحتمه القانون ويتيحه.
اطلب منكم التقيد بهذه التعليمات.
اعلق أهمية كبرى على التزامكم بهذه التعليمات.
لم يبق عليكم إلا أن تنفذوا ذلك الحكم وان تعتبروه نهائيا باتا ناجزا.
ثالثا: المعيار الشكلي:
كما يقال إن الرسالة هي عنوان صاحبها والتي تعطي الانطباع الأول عند قارئها، وهذا يدل بالواضح أن لمظهر المراسلات الإدارية أهمية خاصة، ومما لا شك فيه أن المظهر الخارجي العام لكل مراسلة يعطي الانطباع الأول لدى القارئ. فإذا راق هذا المظهر القارئ فانه سيندفع للقراءة بشوق ولهفة ويتهيأ له الاطلاع الجيد والإلمام بموضوع المراسلة.
وفي جميع الحالات يجب على المراسلات الإدارية احترام الورق الملائم من حيث نوعه ولونه ومقاسه مع المواصفات العالمية ومع مكانة الجهة المرسلة إليها وأهميتها.
ويتعين أيضا أن نكتب أو نطبع باللون الأسود أو الأزرق وهذان اللونان لا يظهران بوضوح إلا على افتح الألوان وهو لا شك لون مناسب لا يجهر النظر عند القراءة والكتابة.
وان جميع المراسلات الإدارية تخضع لمعيار شكلي يحتوي على أجزاء ضرورية إلا أن بعض المراسلات لا تستعمل كل هذه الأجزاء بل البعض منها حسب المهام التي تؤديها هذه المراسلة. وتوجد عناصر أساسية ومشتركة بين جميع المراسلات الإدارية وحسب الحاجة وموضوع المراسلة نفسها وهي على الشكل التالي:
1--- التاريخ.
2---اسم الجهة الصادرة منها الخطاب وعنوانها.
3--- رقم المراسلة.
4--- اسم وعنوان الجهة المرسلة إليها الخطاب.
5--- موضوع المراسلة.
6--- المرجع.
7--- التحية.
8--- جسم المراسلة: ويتكون من المقدمة والعرض والخاتمة.
9--- التوقيع.
10—المرفقات.
وخلاصة القول أن قيمة الشخص لا تتوقف على مقدار ما يحمله من معرفة وإنما تتوقف على قدرته على استخدام تلك المعارف وتوظيفها بالشكل الصحيح واستعمال الأسلوب المناسب في الوقت المناسب واعتماد الشكل الصحيح في المكان الملائم.
المرجع:
- التحرير الإداري وقواعده – بوعلام السنوسي – مطبعة دار النشر المغربية سنة 2002.
مرحبا بك اخي الكريم، اذا اعجبتك هذه النماذج، فلا تبخل علينا برآيك وأترك بصمتك، باضافة التعليق أسفله، وشكرا.